وقال أيضا رحمه الله : " ولم يكذب على أحد ما كذب على جعفر الصادق مع براءته ، كما كذب عليه فنسب إليه علم البطاقة والهفت والجدول واختلاج الأعضاء ومنافع القرآن والكلام على الحوادث وأنواع من الإشارات في تفسير القرآن وتفسير قراءة السورة في المنام ، ,كل ذلك كذب عليه ... " منهاج السنة 7/534 .
وقال أيضا رحمه الله : " والنفاق والزندقة في الرافضة أكثر منه في سائر الطوائف ، بل لا بد لكل منهم من شعبة نفاق ، فإن أساس النفاق الذي بني على الكذب ، وأن يقول الرجل بلسانه ما ليس في قلبه ، كما أخبر الله تعالى عن المنافقين أنهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم ، والرافضة تجعل هذا من أصول دينها وتسميه التقية ، وتحكي هذا عن أئمة أهل البيت الذين برأهم الله عن ذلك ، حتى يحكوا عن جعفر الصادق أنه قال التقية ديني ودين آبائي ، وقد نزه الله المؤمنين من أهل البيت وغيرهم عن ذلك ، بل كانوا من أعظم الناس صدقا وتحقيقا للإيمان ، وكان دينهم التقوى لا التقية وقول الله تعالى : { لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة } . " منهاج السنة 2/ 46 .
وقال أيضا : فالآفة وقعت من الكذابين عليه لا منه ... ، وحتى كل من أراد أن ينفق أكاذيبه نسبها إلى جعفر ... " منهاج السنة 4/54 .
وفيما سبق يتبين لك أن كلام شيخ الإسلام في الرافضة ليس هو لاتباعهم أهل البيت كما يزعمون ، ولكن لكذبهم على آل البيت ، ومن ثم اتباعهم لهذا الكذب وتسميته بمذهب آل البيت !! .
ومما يستفاد من كلامه أيضا رحمه الله :
- كثرة الكذب على آل البيت عموما ، وعلى جعفر - رحمه الله - خصوصا ، وهو بريء من هذا الكذب والبهتان .. ، والآفة من هؤلاء الكذابين عليه ، لا منه - رحمه الله - .
- أن أئمة آل البيت - رحمهم الله - من أعظم الناس صدقا وتحقيقا للإيمان ، وكان دينهم التقوى لا التقية التي هي النفاق تعينه ..
- أن الذين أخذوا العلم الصحيح عن أئمة آل البيت - رحمهم الله -كجعفر الصادق - رحمه الله - ، ولم يقبلوا إلا ما صح عنهم ، هم أئمة السلف من أهل السنة والجماعة ، كمالك بن أنس وسفيان بن عيينة - رحمهما الله - ، وهم براء من هذه الأكاذيب .
- أن أهل السنة والجماعة يجلون الأئمة من آل البيت ، ولكنهم لا يعتقدون بعصمة الأئمة ، فجعفر الصادق - رحمه الله - وغيره ليسوا معصومين ، وإنما العصمة للأنبياء ، وذلك ضرورة تبليغ الرسالة ... ، ومن ثم يعلم أن كثيرا مما ينسب إلى جعفر الصادق - رحمه الله - لا يصح عنه ، لاختصاصه بمن يشرع عن الله ، وإلى هذا أشار الشيخ بقوله : " وليس هو بنبي من الأنبياء " .
- أن أرباب الضلال كالرافضة ، بنوا مذهبهم على هذه الأكاذيب ، ثم سموها بمذهب آل البيت وتعصبوا لها ، وحاولوا إثباتها بأي وسيلة أو طريقة ، وكل من أراد أن ينفق أكاذيبه نسبها إلى جعفر الصادق - رحمه الله - .
- أن الرافضة بنوا مذهبهم على أساس من أسس النفاق ، وهو الكذب المسمى عندهم بالتقية ، وذلك بأن يقول بلسانه ما هو مخالف لما في قلبه وذلك خوفا من افتضاح أمره ، أو حفاظا على المذهب كما قال بعض أئمتهم ، وقد أخبر الله عن المنافقين أنهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم ، وأئمة آل البيت براء من هذه العقيدة الفاسدة .
وثمت فوائد أخرى من كلامه رحمه الله أعرضت عنها خشية الإطالة .
وقد كذب الرافضة على جعفر - رحمه الله - حتى في نقلهم عنه تفسير القرآن ، فكذبوا في تفسير القرآن ثم نسبوا هذا التفسير له ، وإلى هذا سبقت الإشارة في كلام شيخ الإسلام ، وذكره في غير هذا الموضع فمثلا :
قال رحمه الله : " وما ينقل في حقائق السلمي من التفسير عن جعفر الصادق ، عامته كذب على جعفر ، كما قد كذب عليه غير ذلك كما تقدم .. " منهاج السنة 8/ 43 .
وقال أيضا رحمه الله : " وقال جعفر الصادق في قوله : ( ثم دنا فتدلى ) [ سورة النجم 8 ] من توهم أنه بنفسه دنا جعل ثم مسافلة ، وإنما تدنى أنه كلما قرب منه بعده عن أنواع المعارف إذ لا دنو ولا بعد ، قلت : هذا الكلام وأشباهه مما اتفق أهل المعرفة على أنه مكذوب على جعفر مثل كثير من الإشارات التي ذكرها عنه أبو عبد الرحمن في "حقائق التفسير" والكذب على جعفر كثير منتشر ، والذي نقله العلماء الثقات عنه معروف يخالف رواية المفترين عليه ... " الاستقامة 1/191 .
وقد نسبوا له أيضا أقوالا في تفسير القرآن بالباطن ، وأن له ظاهرا وباطنا ، ولذا قال الشيخ رحمه الله : " وهؤلاء المدعون للباطن ... " الفتاوى الكبرى 4/276 . وذلك إنما هو كذب عليه .
وقال رحمه الله : " والمقصود هنا أن يقال لهذا الإمامي وأمثاله : ناظروا إخوانكم هؤلاء الرافضة في التوحيد ، وأقيموا الحجة على صحة قولكم ، ثم ادعوا إلى ذلك ، ودعوا أهل السنة والتعرض لهم ، فإن هؤلاء يقولون : إن قولهم في التوحيد هو الحق وهم كانوا في عصر جعفر الصادق وأمثاله ، فهم يدَّعُون أنهم أعلم منكم بأقوال الأئمة لا سيما وقد استفاض عن جعفر الصادق أنه سئل عن القرآن أخالق هو أم مخلوق فقال ليس بخالق ولا مخلوق ولكنه كلام الله ، وهذا مما اقتدى به الإمام أحمد في المحنة فإن جعفر بن محمد من أئمة الدين باتفاق أهل السنة " . منهاج السنة 2/ 245
وقال : " ... ولهذا كانت الإمامية لا تقول إنه مخلوق لما بلغهم نفي ذلك عن أئمة أهل البيت ، وقالوا : إنه محدث مجعول ، ومرادهم بذلك أنه مخلوق ، وظنوا أن أهل البيت نفوا أنه غير مخلوق أي مكذوب مفترى ، ولا ريب أن هذا المعنى منتف باتفاق المسلمين ، من قال إنه مخلوق ، ومن قال إنه غير مخلوق ، والنزاع بين أهل القبلة إنما كان في كونه مخلوقا خلقه الله أو هو كلامه الذي تكلم به وقام بذاته ، وأهل البيت إنما سئلوا عن هذا وإلا فكونه مكذوبا مفترى مما لا ينازع مسلم في بطلانه ، ولكن الإمامية تخالف أهل البيت في عامة أصولهم ، فليس في أئمة أهل البيت مثل علي بن الحسين وأبي جعفر الباقر وابنه جعفر بن محمد الصادق من كان ينكر الرؤية أو يقول بخلق القرآن أو ينكر القدر أو يقول بالنص على علي أو بعصمة الأئمة الاثني عشر أو يسب أبا بكر وعمر " منهاج السنة 2/ 368
فنحن نقول للرافضة إن كنتم صادقين في زعمكم محبة آل البيت ، فاتبعوا مذهبهم الصحيح في الاعتقادات وفي العبادات وفي الصحابة ، وغير ذلك مما هو معلوم لمن أنصف آل البيت مذهبهم ، وردوا على من خالف ذلك من أبناء جلدتكم ، أم هو التستر باتباعهم للطعن في الإسلام .. ؟ .
وأنت هنا ، أن شيخ الإسلام أكد على قضية مهمة وهي أن أهل السنة عاشوا زمن جعفر الصادق وأمثاله من العلماء - رحمهم الله - ، وأنهم يدعون أنهم أعلم بأقوال الأئمة من هؤلاء الشيعة ، ولذا فمذهب أهل السنة هو القول الحق ، وهو الذي درجوا عليه ، وقد مثل الشيخ بقول الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله - في القرآن ، وأنه اقتدى في ذلك بجعفر الصادق - رحمه الله - .
أما مجرد ادعاء حب آل البيت ، فليس كافيا في الحكم بصحة عقائد من يدعي حبهم وهو في الحقيقة مخالف لما هم عليه من العقائد ، وإن كذب ونسب تلك العقائد لهم ، ومن الأمثلة على ذلك ما ذكره شيخ الإسلام رحمه الله في كلامه الآتي :
قال رحمه الله : " ... قوم إذا ذكروا عليا يردون السلام على السحاب ، فهذا بعض ما نقله الأشعري وغيره عنهم ، وهو بعض ما فيهم من هذا الباب ، فإن الإسماعيلية والنصيرية لم يكونوا حدثوا إذ ذاك ، والنصيرية من نوع الغلاة ، والإسماعيلية ملاحدة أكفر من النصيرية ، ومن شيعة النصيرية من يقول أشهد أن لا إله إلا حيدرة الأنزع البطين ، ولا حجاب عليه إلا محمد الصادق الأمين ، ولا طريق إليه إلا سلمان ذو القوة المتين " منهاج السنة 2/ 512 .
فإذا تبين كثرة الكذب عليه ، علم أنه إنما كان من علماء السلف ، وأنه من علماء أهل السنة والجماعة ، وهذا ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - قبل قليل حيث قال : " فإن جعفر بن محمد من أئمة الدين باتفاق أهل السنة " . وتأمل في كلامه الآتي رحمه الله ففيه فوائد جمة .
قال رحمه الله : " وجعفر الصادق رضي الله عنه من خيار أهل العلم والدين ، أخذ العلم عن جده أبي أمه أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق وعن محمد بن المنكدر ونافع مولى ابن عمر والزهري وعطاء بن أبي رباح وغيرهم ، وروى عنه يحيى بن سعيد الأنصاري ومالك بن أنس وسفيان الثوري وسفيان بن عيينة وابن جريج وشعبة ويحيى بن سعيد القطان وحاتم بن إسماعيل وحفص بن غياث ومحد بن إسحاق بن يسار " منهاج السنة 4/ 52 .